عرض مشاركة واحدة
  #75  
قديم 2021/09/23, 05:56 PM
الصورة الرمزية ممدوح أحمد
ممدوح أحمد ممدوح أحمد غير متواجد حالياً

❤ عــمـلاق نـشـيـط ❤

   
تاريخ التسجيل: 2021 Jun
المشاركات : 59
افتراضي رد: التصور الإيماني لحقيقة الحياة الدنيا

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوجنه مشاهدة المشاركة




هناك تصوران أيضاً في هذا القسم الصغير المسمى بالحياة الدنيا: تصور يعتبر الحياة هي هذه الحياة المادية ويعتبر الأحياء هم هؤلاء الذين يمتلكون خواص الحركة والنمو.. إلى غير ذلك من المظاهر المادية للحياة. هذا تصور ولا يُنْفى؛ ولكن إلى جانبه يأتي تصور ثان للحياة على نفس القاعدة المعروفة: “الحج عرفة” بمعنى أن الحياة الحقيقية هي هذه التي سنتكلم عنها لا تلك التي تعبِّر عنها المظاهر المادية.
فما هي هذه الحياة؟ وما هذا التصور لها؟ ذلك ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾(الأنعام:122). ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾؟! مَنْ هؤلاء؟ هؤلاء أمثال أبي بكر وعمر وعثمان والمؤمنين جميعا قبلهم وبعدهم حين ينتقلون من حال الكفر إلى حال الإيمان، ينتقلون من الموت إلى الحياة ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾(الأنعام:122)، أي في ظلمات الموت الدنيوي. بينما المؤمنون يتولاهم الله تعالى فيحييهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾(البقرة:257)، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾، هل يستويان؟ أبداً ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ﴾(فاطر:22).المعنى الأول بسيط، والمعنى الثاني عميق، والنِّذارة عموما لا تنفع إلا في الأحياء بالمعنى الثاني ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾(يس:70). أما الذي ليس بحيٍّ ولو وصلَتْه النّذارة كأبي جهل وأبي لهب، فإنه لا يستفيد، لن تنفع فيه النّذارة إلا من جهة إقامة الحجة عليه ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾(الإسراء:15).
وهذا التفريق بين الحي حقيقة والحي حكما هو الذي جعل القاعدة الكبيرة تطرد في التطبيقات الواضحة في دعوة الله عز وجل للحياة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾(الأنفال:24). فالمستجيبون هم الأحياء والرسول يدعوهم إلى ما يحييهم. فإذن هناك الحياة العادية الحسِّية، والإنسانُ بها في المنطق القرآني الإيماني لا يعتبر حيّاً، وإنما هو مؤهّل لأن يكون حَيّاً. ذاك تمهيد ومقدمة صحيحة تؤهل صاحبها لأن يتلقى ما يحييه، إذ الميت ولو دعوناه فلن يستجيب ولن يسمع.
فللإنسان إذن في هذه الدنيا حياتان، حياةٌ عادية مادية خبيثة في تصنيف القرآن، وحياة روحية طيّبة في تصنيف القرآن أيضاً ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(النحل: 97). حياة طيبة، وعكسُها الحياة الخبيثة التي يكون أصحابها كما قال الله عز وجل فيهم: ﴿أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾(الأعراف:179). والسبب أن الأنعام لها غرائز تهديها بناء على الأصل الكبير ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾(طه:50)، هَدى جميع الكائنات هدايةَ عقول، وهداية غرائز، وهداية تسخير وغير ذلك من الهدايات، إذ كل مخلوق ميسَّر لما خلق له، كما قال صلى الله عليه وسلم: “اعملوا فكلٌّ ميسَّر لما خلِق له” (رواه البخاري). هذه قاعدة في الكائن الإنساني بالنسبة للاختيار في مسألة العمل، أما بالنسبة لباقي الكائنات فالتسخير فيها جِبِلِيٌّ، يعني في أصل الخلقة. فكل الكائنات مهدية بهذا المعنى، سائرةٌ إلى ما خُلقت له. ولكن بالنسبة للإنسان ابتُلي بالتكليف، والهدى حينما جاءه، جاءه وقد وضِع فيه استعدادٌ ليميز بين الخير والشر والصالح والطالح. فإن استجاب واهتدى فقد رشد فعلا وقد اتجه إلى العمل الصالح والحياة الطيبة، وإن لم يستجب صار أحط من الأنعام. لماذا؟ لأن الأنعام مهديَّةٌ بالغريزة، وهو لم يهتد إلى هدًى، فصار عاصياً جاحداً للنعمة أصلاً، وصار كافراً بالمرَّة، بحسب الدرجة التي استقرت عليها وجهتُه باختياره، ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾(الحجرات:7). إذن هناك الولادة الأولى والولادة الثانية، وما به تتم الولادة الثانية هو الذِّكر. وذلك ما أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: “مَثَل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكرُ ربَّه مثل الحيِّ والميِّت” (رواه البخاري).
والذكر هو كلّ الدين، ولا وظيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم غيرُ هذا ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾(الغاشية:21). والذي أنزِل عليه هو ذكرٌ ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾(التكوير:27).
بارك الله فيك

0003.gif?fit=516%2C82&ssl=1

مشاهدة جميع مواضيع ممدوح أحمد

رد مع اقتباس