الحكم الشرعي من ملاعبة الأطفال داخل المسجد في الفقه الإسلامي: دراسة تحليلية على المذاهب الأربعة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
???? تمهيد
المسجد في الإسلام هو بيت الله، ومكانٌ للعبادة والخشوع، لكنّه أيضًا موضع يجتمع فيه المسلمون، ويتعلمون أمور دينهم، ويربّون أولادهم على حب الطاعة. ومن هنا برزت مسألة ملاعبة الأطفال في المسجد، وحكمها وفقًا للمذاهب الفقهية الأربعة، وما يستند إليه كل مذهب من أدلة شرعية.
???? أولًا: مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن وجود الأطفال في المسجد، وملاعبتهم فيه، يجوز إذا لم يكن فيه أذى للمصلين أو إخلال بحرمة المسجد، فإن كان الأمر كذلك، فإنه يُكره، وقد يصل إلى التحريم إذا أدى إلى امتهان المسجد أو التشويش على المصلين.
???? الدليل: استدلوا بحديث النبي ﷺ:
"إني لأقوم في الصلاة فأريد أن أطوّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز في صلاتي؛ كراهية أن أشقّ على أمّه" (رواه البخاري 707 ومسلم 470).
???? المصدر: "الفتاوى الهندية" (1/110)، "بدائع الصنائع" للكاساني (1/127).
???? ثانيًا: مذهب المالكية:
ذهب المالكية إلى أن دخول الأطفال المسجد وملاعبتهم فيه جائزٌ، ولا كراهة فيه، ما لم يترتب عليه إفساد أو تشويش على المصلين. فإن حصل ذلك، كُره إدخالهم، وصار واجبًا على وليّ الأمر منعهم.
???? الدليل: استدلوا بحديث عبد الله بن شداد، عن أبيه قال:
"خرج علينا رسول الله ﷺ في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي ﷺ فوضعه، ثم كبّر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهره، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى النبي ﷺ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يُوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته" (رواه النسائي 1141 وأحمد 16258).
???? المصدر: "المدونة الكبرى" (1/195)، "شرح مختصر خليل" للخرشي (2/79).
???? ثالثًا: مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن إدخال الأطفال إلى المسجد وملاعبتهم فيه جائزٌ، لكن يُكره إن أدى إلى التشويش، أو تلويث المسجد، وهو قول قريب من مذهب المالكية.
???? الدليل: احتجوا بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، حيث قال:
"رأيت النبي ﷺ يصلي وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها" (رواه البخاري 516 ومسلم 543).
???? المصدر: "المجموع" للنووي (4/177)، "نهاية المحتاج" للرملي (2/26).
???? رابعًا: مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن إدخال الأطفال إلى المسجد وملاعبتهم فيه لا بأس به، لكنه يُكره إذا أدى إلى الإخلال بحرمة المسجد، أو أذى المصلين.
???? الدليل: استدلوا بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال:
"كان رسول الله ﷺ يصلي وهو حامل الحسن أو الحسين، فإذا سجد وضعه، وإذا قام حمله" (رواه أبو داود 917).
???? المصدر: "المغني" لابن قدامة (2/191)، "الإنصاف" للمرداوي (2/215).
???? النتيجة والترجيح:
بناءً على ما سبق، يتبين أن المذاهب الأربعة متفقة على جواز وجود الأطفال في المسجد، وملاعبتهم فيه، بشرط عدم الإخلال بآداب المسجد، أو التشويش على المصلين، أو تلويث المكان. وإن حصل ذلك، فإنه يُكره، وقد يصل إلى التحريم إن كان هناك أذى واضح.
⚖ قاعدة فقهية مستنبطة:
???? "ما كان مباحًا في أصله، فإنه يُمنع إن ترتب عليه ضرر، ويُباح إن لم يكن فيه مفسدة".
✅ خاتمة:
ملاعبة الأطفال في المسجد ليست من المحرمات، ولا من المنكرات، ولا حتى من المكروهات بإطلاق، بل حكمها يختلف بحسب الحال:
إن كانت بلا أذى أو تشويش: فهي جائزة، وقد ثبت وقوعها في زمن النبي ﷺ.
إن أدت إلى التشويش أو العبث بالمكان: فهي مكروهة.
إن وصلت إلى حد امتهان المسجد أو إهانته: فهي محرمة.
???? وهذا هو الجمع الصحيح بين الأدلة، والله تعالى أعلم.