
إن لله تعالى أزمانا فاضلة ، ومواسم مباركة ، جعلها مضمارا للخير ، يجني فيها المؤمنون الحسنات الكثيرة ، ويكفرون السيئات والذنوب العظيمة ، هي منحة إلاهية ، ورحمة ربانية ، لعباده كي يتداركوا أمرهم ، ويصلحوا ما فرط من أخطائهم ، ويطهروا قلوبهم ، فما أعظمها من منحة ، يجب على المرء أن لا يفرط فيها فهي عشرة أيام فقط ، ولكنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق ، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ .

فأي عمل تقوم به في هذه العشر هو أفضل مما لو عملت به في يوم غيرها حتى أيام رمضان ، فمن تصدق بصدقة في هذه العشر ، فهي أفضل من الصدقة في شهر رمضان ، فما ظنكم بهذا الفضل العظيم .

ووالله إن القيام بالخير في هذه العشر ، هو محض فضل من الله يمن به على من يشاء من عباده ، كما يصرف عنه آخرون ، وما أصاب عبد من التوفيق إلا بدعائه لله وطلبه الخير ، كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ، فيسأل ربه أن يوفقه لفعل الخيرات ، وأن يعينه على العبادة والذكر ، ولا يكون هذا إلا بترك المعاصي التي تحرم التوفيق للخيرات ، فالعبد يسأل ربه الإعانة والتوفيق ويترك الذنوب والمعاصي ، عندئذ يهبه الله التوفيق ويثبته عليه ، فمن
دعائه صلى الله عليه وسلم ( اللهم اهدني وسددني)

ما أشبه اليوم بالبارحة ، إنها أيام تشبه أيام رمضان بل أفضل ، مباركة وتمر سريعا ، فلنغتنمها بما استطعنا ، ومن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للعبد الإتيان بها في هذه الأيام ، بعد قيامه لفرائضه وواجباته ، ذكر الله ، وأفضل الذكر كلام الله ، فاجعل لك نصيبا من كتاب ربك ، قراءة وتدبرا ، ثم ذكر الله بما ورد عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأفضله في هذه الأيام التكبير ، فأي لفظ كبرت اجزأ ، لما رواه الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعا
( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )

ومن الأعمال الصالحة كذلك وهي مما يختص به هذه الأيام ، الأضحية ، كما قال تعالى
( فصل ربك وانحر) وقوله
( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ) وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وضحى أصحابه، وعبادة النحر وإهراق الدم لله عبادة عظيمة ولهذا من صرفها لغير الله فقد أشرك وخرج من الملة .
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمان، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.