هناك أناس لهم أعمال جليلة، لكن هذه المرأة لم يعرف لها عمل كبير، وبهذا نعرف أن الجنة أبواب، وأن طرق الخير كثيرة جداً لا تنحصر، فقد يكون بابك الذي تدخل منه الجنة هو بلاء ابتليت به فصبرت عليه، مع أنك لم تكن صواماً قواماً، وهذا من لطف الله -تبارك وتعالى- بهذه الأمة، فالناجون كثير، وقد تنوعت أسباب نجاتهم.
قال: هذه المرأة السوداء، المقاييس ليست بالألوان، السواد لون من الألوان، لا فضل لأحمر على أصفر، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، بلال رضى الله عنه كان أسود البشرة، لكنه خير من أبي لهب ابن عم النبي ﷺ القرشي، وخير من أمية بن خلف، وخير من هؤلاء الكبراء العظماء الذين هم من حطب جهنم.
فليس المقياس عندنا هو قضية اللون، أو النسب، أو ما يدخره الإنسان في أرصدة من الملايين أو المليارات، أو ما يلبسه من الثياب، أو جمال الهيئة وحسن البشرة، أو صحة الجسم أو نحو ذلك، فالعبرة بصلاح قلب الإنسان، وصلاح عمله، وصلاح حاله، وسلوكه إلى الله سبحانه وتعالى طريق النجاة.
فهذه المرأة أتت النبي ﷺ فقالت: إني أصرع، والصرع معروف هو اعتلال يصيب الإنسان تارة بسبب أورام في الدماغ، وتارة يكون بسبب أبخرة تتصاعد إلى الرأس -إلى الدماغ، وتارة يكون ذلك بسبب مس الجن والشياطين، كما قال الله سبحانه وتعالى عن المرابين: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275]، والتخبط هو الضرب على غير استواء.
والأمر الذي أقلق هذه المرأة لا يبدو أنه مجرد الصرع، قالت: وإني أتكشف، وهذا يدل على وفور التقوى في قلبها مع أنها غير مؤاخذة، فهي حينما تصرع تضطرب في حركتها اضطراباً شديداً، ولربما احتاجت إلى من يضبطها حتى لا تؤذي نفسها، كما هو مشاهد، لكن الأمر الذي أرقها أنها تتكشف، والمرأة محلها الستر، فأين هذه المرأة عن أولائك النسوة اللاتي يتكشفن عن قصد وتعمد؟ تظهر أجزاء كبيرة من جسدها في مناسبة وغير مناسبة.
بل أين هذا من أولائك النسوة اللاتي تضع الواحدة منهن ثيابها في غير بيت زوجها؟ لربما في مواضع كما يقال: الحمامات النسائية، حمامات البخار، وهي مواضع تضع فيها المرأة ثيابها في غير بيت زوجها، وقد قال النبي ﷺ: أيُّما امرأةٍ وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ما بينها وبين الله سبحانه وتعالى، مواطن الرِّيَب تأتي عند الكوافير البنت تريد أن تتزوج -لربما ما رأتها الشمس- وتكشف عن عورتها المغلظة، من أجل التجمل والتزين، هل هذا يعقل؟ ولولا أن ذلك قد تواتر لا يصدق به أحد، الرجل يستحي أن تُرى ساقه، فكيف بالمرأة التي محلها الحياء والحشمة؟
نقف عند هذا الموضع، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
لفضيلة الشيخ : د / خالد بن عثمان السبت