اتقوا الله تعالى واكتفوا بأخذ الحلال عن الحرام فإن أكل الحرام واستعمال الحرام له عواقب وخيمة
قال صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: "كل جسم نبت من السحت فالنار أولى به"، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين"، قال سبحانه وتعالى:
(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً)، وقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " فأكل الحرام يمنع قبول الدعاء لا سيما في حالة الضرورة فإنه يمنع دعاء الداعي ويقطع صلته بالله عز جل فتجنبوا الحرام وكل لا يريد الحرام وفي قلبه ايمان ولكن قد تأخذه الغفلة ويأخذه حب المال ويأخذه التقليد الأعمى فيتعامل بالمعاملات المحرمة ومن أشد المحرمات في الأموال الربا، قال الله سبحانه وتعالى:
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، لا يقومون من قبورهم عند بعثهم ونشورهم إذا قام الناس من قبورهم لرب العالمين وساروا إلى المحشر مسرعين فإن آكل الربا يقوم ويسقط مثل المجنون الذي به مس من الشيطان يقوم ويسقط ولا يمشي مع الناس لأن الربا تضخم في بطنه فأثقله عن المشي فضيحة له والعياذ بالله قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)، والربا أنواع كثيرة لكن من أظهرها في أيدي الناس اليوم الربا في القروض
قال صلى الله عليه وسلم: "كل قرض جر نفعا فهو ربا"، وذلك أن القرض الحسن هو أن تدفع مالا لمن ينتفع به ثم يرد بدله من غير زيادة هذا هو القرض الحسن الذي هو من المرافق مرافق الخير ومن بذل الخير بين الناس فأنت إذا أقرضت المحتاج قضيت حاجته وأحسنت إليه ثم يرجع إليك مالك وتحصل على الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى هذا هو القرض الحسن
فالربا لا يجوز في القرض وهو أن يقرض بزيادة مالية أو يقرضه بشرط أن يبذل له منفعة كسكنى داره وركوب سيارته وغير ذلك من المنافع فهو ربا على أي وجه كان فالربا في القرض من أشد أنواع الربا والعياذ بالله وهو كثير في هذا اليوم أو في هذا الزمان وأكثر من تتعامل به البنوك والشركات والتجار والمستثمرون يقعون في ربا القرض يقترضون بالفوائد التي حرمها الله ورسوله
قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"، كلهم ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من أكل الربا ومنهم من أعان عليه وهو الشاهد والكاتب كلهم ملعونون مما يدل على شناعة الربا وقبحه وكذلك يجري الربا في قلب الديون يكون للإنسان دين على شخص فإذا حل الدين قال إما أن تقضي وإما أن أزيد عليك الدين وأخر الأجل هذا هو ربا الجاهلية إما أن تربي وإما أن تسدد، والواجب أن المدين إذا كان موسرا أن يسدد ولا يماطل ولا يرتكب الربا وإن كان معسرا فالواجب إنذاره حتى يستطيع السداد ولا يضاعف الدين عليه قال الله جل وعلا:
(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وكذلك يجري الربا في الصرف وهو بيع النقد بالنقد الصيارفة الذين يبيعون النقود بنقود يجب أن يتقابضوا في المجلس ولا يفترقا وبينهما شيء
فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربا النسيئة وهو التأخير فلا يجوز إذا تصارفا في النقود أو في الذهب أو في الفضة لا يجوز أن يفترقا من مجلسهما وبينهما شيء يدا بيد كل يسلم ما عليه للآخر ولا يبقى شيء مؤجل هذا هو الربا ربا النسيئة الذي عليه أهل الجاهلية قد حرمه الله سبحانه وتعالى أشد التحريم وتوعد عليه بأشد الوعيد.
وكذلك
من المكاسب المحرمة الرشوة ونعوذ بالله من الرشوة والرشوة ما يدفع للموظف والمسؤول من أجل أن ينجز معاملة المراجع أو يقدمه على غيره من المستحقين فيدفع له مالا من أجل أن ينجز معاملته والواجب على الموظف أن ينجز معاملات الناس وألا يؤخرها حتى يدفعوا له الرشوة وكذلك لا يجوز له أن يقدم شخصا على شخص من أجل أن الذي قدمه دفع له الرشوة والذي أخره لم يدفع له شيء الرشوة حرام وسحت قد وصف الله اليهود بأنهم
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)،
والسحت هو الرشوة ولعن صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، الراشي هو الذي يدفع الرشوة والمرتشي هو الذي يأخذها والرائش هو الذي يسعى بينهما يسعى بين الراشي والمرتشي كلهم ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفسدت الرشوة المجتمعات أفسدت الأموال جرأت الكذبة والسفلة جرأتهم على المسلمين فصاروا يلعبون في معاملات الناس ويضرون الناس بسبب الرشوة يحرمون المستحق ويقدمون غير المستحق وهذا ظلم وعدوان نسأل الله العافية.
وكذلك لما حرم الله الميسر وهو القمار ومنه الجوائز التي تؤخذ على المسابقات أيا كانت هذه المسابقات لا يجوز أخذ الجوائز عليها لأن ذلك من أكل المال بالباطل من الميسر إلا ما استثناه الرسول صلى الله عليه وسلم، في قوله: "لا سبق –يعني لا جائزة على مسابقة – إلا في ثلاث في نصل – وهو الرماية فيجوز أخذ الجائزة على التدرب على الرماية – في نصل أو خف – وهو المسابقة على الإبل – أو حافر – وهو المسابقة على الخيل – لأن هذه الثلاث من وسائل الجهاد فيتدرب المسلم على أمور الجهاد حتى يكون مؤهلا لدخول المعركة للجهاد في سبيل الله فتباح الجائزة في هذه الثلاث المسابقة على الرماية بجميع أنواعها المسابقة على ركوب الإبل المسابقة على ركوب الخيل إذا كان القصد من ذلك التدرب على الجهاد في سبيل الله تجوز الجائزة على هذه الأمور الثلاثة وما عداها فالجائزة على المسابقات حرام لأنها أكل لأموال الناس بالباطل.
فاتقوا الله عباد الله، قال سعد بن الوقاص للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ادعوا الله أن يجعلني مجاب الدعوة
قال: "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"، أطب مطعمك لا تأكل الحرام حتى تكون مجاب الدعوة كما سبق في الحديث الذي يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام أنى يستجاب لذلك، لا يستجاب له بعيد أن يستجاب له ولو كان مضطرا فاتقوا الله عباد الله واقتنعوا بما أحل الله عما حرم الله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان